فصل: (سورة السجدة: الآيات 23- 30).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة السجدة: الآيات 23- 30].

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكتابَ فَلا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقائه وَجَعَلْناهُ هُدىً لبَني إسْرائيلَ (23) وَجَعَلْنا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بآياتنا يُوقنُونَ (24) إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقيامَة فيما كانُوا فيه يَخْتَلفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا منْ قَبْلهمْ منَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَساكنهمْ إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصرُونَ (27) ويَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صادقينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانْتَظرْ إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ (30)}.

.اللغة:

{الْجُرُز} يقال: جرزه الزمان: اجتاحه، قال تبع:
لا تسقني بيديك إن لم ألقها ** جرزا كأن أشاءها مجروز

وأرض مجروزة وقد جرزت: قطع نباتها وأرض جرز وأرضون أجراز وسنون أجراز: جدبة ومفازة مجراز. قال الراعي:
وغبراء مجراز يبيت دليلها ** مشيحا عليها للفراقد راعيا

وسيف جراز ولن ترضى شانئة إلا بجرزة مثل في العداوة وأن المبغض لا يرضى إلا باستئصال من يبغضه وضربه بالجرز وخرجوا بأيديهم الجرزة وجاء بجرزة من قت وبجرز منه وهي الحزمة والعامة تستعمل هذه الكلمة كثيرا ولا غبار عليها كما ترى، ومن المجاز رجل جروز: أكول لا يدع على المائدة شيئا، وامرأة جارز: عاقر. وفي المختار: أرض جرز وجرز كعسر لا نبات بها أي قطع وأزيل بالمرة وقيل هو اسم موضع باليمن، وفي المصباح:
الجرزة: القبضة من القت ونحوه أو الحزمة والجمع جرز كغرفة وغرف وأرض جرز بضمتين قد انقطع الماء عنها فهي يابسة لا نبات فيها.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكتابَ فَلا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقائه} كلام مستأنف مسوق لتسليته صلى اللّه عليه وسلم وانما اختار موسى لأن اليهود والنصارى كانوا مؤمنين به فتمسك بالمجمع عليه ليكون ألزم لإيقاع الحجة عليهم. واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وآتينا فعل وفاعل وموسى مفعول به أول لآتينا والكتاب مفعول به ثان والفاء الفصيحة ولا ناهية وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلا واسمها ضمير مستتر تقديره أنت وفي مرية خبرها أي شك ومن لقائه صفة لمرية والضمير في لقائه يعود على موسى فيكون المصدر وهو لقاء مضافا إلى مفعوله أو على الكتاب وحينئذ تكون الاضافة للفاعل أي من لقاء الكتاب لموسى، وهناك أقوال كثيرة في عودة الضمير ضربنا عنها صفحا لتهافتها.
{وَجَعَلْناهُ هُدىً لبَني إسْرائيلَ} وجعلناه فعل وفاعل ومفعول به والضمير يعود على موسى والكتاب أيضا وهدى مفعول به ثان ولبني إسرائيل متعلقان بهدى أو صفة له.
{وَجَعَلْنا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بآياتنا يُوقنُونَ} وجعلنا عطف على جعلنا الأول ومنهم مفعول جعلنا الثاني وأئمة مفعول جعلنا الأول وجملة يهدون صفة لأئمة وبأمرنا حال ولما ظرف بمعنى حين متعلق بجعلنا أي جعلناهم أئمة حين صبروا وجواب لما محذوف دل عليه ما قبله والتقدير ولما صبروا جعلنا منهم أئمة وكانوا عطف على صبروا وبآياتنا متعلقان بيوقنون ويوقنون خبر كانوا {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقيامَة فيما كانُوا فيه يَخْتَلفُونَ} إن واسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ وجملة يفصل خبر إن أو خبر هو والجملة خبر إن وبينهم ظرف متعلق بيفصل ويوم القيامة متعلق بمحذوف حال وفيما متعلقان بيفصل وجملة كانوا صلة وفيه متعلقان بيختلفون وجملة يختلفون خبر كانوا.
{أَوَ لَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا منْ قَبْلهمْ منَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَساكنهمْ} الهمزة للاستفهام الانكاري والواو للعطف على مقدر يقتضيه السياق أي أغفلوا ولم يهد لهم أي يتبين، ولم حرف نفي وقلب وجزم ويهد فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل ما دل عليه لم يهد لأن كم لا تقع فاعلة والتقدير أولم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون، ولك أن تقدره بهذا الكلام، وكم خبرية في محل نصب مفعول به مقدم لأهلكنا ومن قبلهم حال من القرون ومن القرون حال أيضا من كم وجملة يمشون إما أن تكون استئنافية مسوقة لبيان وجه هدايتهم وإما أن تكون حالا من الضمير في لهم والتقدير يمشون أي يمرون في أسفارهم للتجارة على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم وفي مساكنهم متعلقان بيمشون.
{إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسم إن المؤخر والهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على مقدر يقتضيه أسلوب الحديث أي أصموا فلا يسمعون ولا نافية ويسمعون فعل مضارع مرفوع.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز} الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على مقدر أيضا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعول يروا وان واسمها وجملة نسوق خبرها والماء مفعول به والى الأرض متعلقان بنسوق والجرز نعت للأرض.
{فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصرُونَ} فنخرج عطف على نسوق وفاعل نخرج ضمير مستتر تقديره نحن وبه متعلقان بنخرج وزرعا مفعول به وجملة تأكل صفة لزرعا ومنه متعلقان بتأكل وأنعامهم فاعل تأكل وأنفسهم عطف على أنعامهم والهمزة للاستفهام الانكاري، فلا يبصرون تقدم إعراب نظيره.
{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صادقينَ} كلام مستأنف مسوق للرد على استهزائهم فقد كانوا يسخرون من المسلمين الذين يقولون إن اللّه سيفتح لنا على المشركين ويفصل بيننا وبينهم فيقولون متى هذا الفتح؟
ومتى اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والفتح بدل من اسم الاشارة وإن شرطية وكنتم كان واسمها في محل جزم فعل الشرط وصادقين خبر كان وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.
{قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} يوم الفتح مبتدأ وجملة لا ينفع خبره والذين كفروا مفعول ينفع المقدم وإيمانهم فاعل ينفع المؤخر والواو عاطفة وهم مبتدأ وجملة ينظرون خبر وينظرون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل أي يمهلون.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانْتَظرْ إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ} الفاء الفصيحة وأعرض فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بأعرض وانتظر فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت ومفعوله محذوف تقديره النصر عليهم وإن واسمها ومنتظرون خبرها ومفعول منتظرون الذي هو اسم فاعل محذوف أيضا تقديره النصر عليكم.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم} الآية.
فن المناسبة:
والمناسبة قسمان: إما مناسبة في المعاني وإما مناسبة في الألفاظ أما الأولى فهي أن يبتدىء المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ وقد مرت أمثلته في الأنعام والقصص وهذه الآية، فقد قال تعالى في صدرها {أولم يهد لهم} وهي موعظة سمعية لكونهم لم ينظروا إلى القرون الهالكة وإنما سمعوا بها فناسب أن يأتي بعدها بقوله: {أفلا يسمعون} أما بعد الموعظة المرئية وهي قوله: {أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} فقد ناسب أن يقول: {أفلا يبصرون} لأن الزرع مرئي لا مسموع ليناسب آخر كل كلام أوله، وأما المناسبة اللفظية فهي الإتيان بألفاظ متزنات مقفاة وغير مقفاة، فالمقفاة مع الاتزان مناسبة تامة وغير المقفاة مع الاتزان مناسبة ناقصة وشيوع هذه في الكلام الفصيح أكثر لعدم التكلف ولأن التقفية غير لازمة فيها فإن وقعت مندرجة في الكلام من غير تكلف ساغت وكانت آية في الجمال وستأتي أمثلتها في القرآن الكريم وسبق مثالها في قوله في يونس: {لهم شراب من حميم وعذاب أليم} ومن شواهد التامة في الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم فيما روي عنه من الدعاء مما كان يرقي به الحسن والحسين «أعيذ كما بكلمات اللّه التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة» ولم يقل ملمة وهي القياس لمكان المناسبة، ومما ورد من المناسبة اللفظية التامة قول ابن هانىء الأندلسي من أبيات:
وعوانس وقوانس وفوارس ** وكوانس وأوانس وعقائل

ومن المناسبة اللفظية غير التامة:
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس ** قنا الحظ إلا أن تلك ذوابل

فقد ناسب بين مها وقنا مناسبة غير تامة وبين الوحش والحظ وأوانس وذوابل. اهـ.